سورة القصص - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)}
قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} قال الزجاج: أجمع المسلمون على أنها نزلت في أبي طالب. قلت: والصواب أن يقال أجمع جل المفسرين على أنها نزلت في شأن أبي طالب عم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو نص حديث البخاري ومسلم، وقد تقدم الكلام ذلك في براءة.
وقال أبو روق قوله: {وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} إشارة إلى العباس. وقاله قتادة. {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} قال مجاهد: لمن قدر له أن يهتدي.
وقيل: معنى {مَنْ أَحْبَبْتَ} أي من أحببت أن يهتدي.
وقال جبير بن مطعم: لم يسمع أحد الوحي يلقى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أبا بكر الصديق فإنه سمع جبريل وهو يقول: يا محمد اقرأ {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ}.


{وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (58)}
قوله تعالى: {وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا} هذا قول مشركي مكة قال ابن عباس: قائل ذلك من قريش الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشي، قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنا لنعلم أن قولك حق، ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك، ونؤمن بك، مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا- يعني مكة- لاجتماعهم على خلافنا، ولا طاقة لنا بهم. وكان هذا من تعللاتهم، فأجاب الله تعالى عما اعتل به فقال: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً} أي ذا أمن. وذلك أن العرب كانت في الجاهلية يغير بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضا، واهل مكة آمنون حيث كانوا بحرمة الحرم، فأخبر أنه قد أمنهم بحرمة البيت، ومنع عنهم عدوهم، فلا يخافون أن تستحل العرب حرمة في قتالهم. والتخطف الانتزاع بسرعة، وقد تقدم. قال يحيي بن سلام يقول: كنتم آمنين في حرمي، تأكلون رزقي، وتعبدون غيري، أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي. {يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ} أي يجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد، عن ابن عباس وغيره. يقال: جبى الماء في الحوض أي جمعه. والجابية الحوض العظيم. وقرأ نافع: {تجبى} بالتاء، لأجل الثمرات. والياقوت بالياء، لقوله: {كُلِّ شَيْءٍ} واختاره أبو عبيد. قال: لأنه حال بين الاسم المؤنث وبين فعله حائل وأيضا فإن الثمرات جمع، وليس بتأنيث حقيقي. {رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} أي من عندنا. {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي لا يعقلون، أي هم غافلون عن الاستدلال، وأن من رزقهم وأمنهم فيما مضى حال كفرهم يرزقهم لو أسلموا، ويمنع الكفار عنهم في إسلامهم. {رِزْقاً} نصب على المفعول من أجله. ويجوز نصبه على المصدر بالمعنى، لان معنى {تجبى} ترزق. وقرئ: {تجبني} بالنون من الجنا، وتعديته بإلى كقولك يجنى إلى فيه ويجنى إلى الخافة. قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها} بين لمن توهم أنه لو آمن لقاتلته العرب أن الخوف في ترك الايمان أكثر، فكم من قوم كفروا ثم حل بهم البوار، والبطر والطغيان بالنعمة، قاله الزجاج {مَعِيشَتَها} أي في معيشتها فلما حذف في تعدى الفعل، قاله المازني. الزجاج كقوله: {وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}. الفراء: هو منصوب على التفسير. قال كما تقول: أبطرت مالك وبطرته. ونظيره عنده {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} وكذا عنده {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً} ونصب المعارف على التفسير محال عند البصريين، لان معنى التفسير والتمييز أن يكون واحدا نكرة يدل على الجنس.
وقيل: أنتصب ب {بَطِرَتْ} ومعنى {بَطِرَتْ} جهلت، فالمعنى: جهلت شكر معيشتها. {فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} أي لم تسكن بعد إهلاك أهلها إلا قليلا من المساكن وأكثرها خراب. والاستثناء يرجع المساكن أي بعضها يسكن، قاله الزجاج. واعترض عليه، فقيل: لو كان الاستثناء يرجع إلى المساكن لقال إلا قليل، لأنك تقول: القوم لم تضرب إلا قليل، ترفع إذا كان المضروب قليلا، وإذا نصبت كان القليل صفة للضرب، أي لم تضرب إلا ضربا قليلا، فالمعنى إذا: فتلك مساكنهم لم يسكنها إلا المسافرون ومن مر بالطريق يوما أو بعض يوم، أي لم تسكن من بعدهم إلا سكونا قليلا. وكذا قال ابن عباس: لم يسكنها إلا المسافر أو مار الطريق يوما أو ساعة. {وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ} أي لما خلفوا بعد هلاكهم.


{وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (59) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)}
قوله تعالى: {وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى} أي القرى الكافرة. {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها} قرئ بضم الهمزة وكسرها لاتباع الجر يعني مكة و{رَسُولًا} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم.
وقيل: {فِي أُمِّها} يعني في أعظمها {رَسُولًا} ينذرهم.
وقال الحسن: في أوائلها قلت: ومكة أعظم القرى لحرمتها وأولها، لقوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} وخصت بالاعظم لبعثة الرسول فيها، لان الرسل تبعث إلى الاشراف وهم يسكنون المدائن وهي أم ما حولها. وقد مضى هذا المعنى في آخر سورة يوسف. {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا} {يَتْلُوا} في موضع الصفة أي تاليا أي يخبرهم أن العذاب ينزل بهم إن لم يؤمنوا. {وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى} سقطت النون للإضافة مثل {ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ} {إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ} أي لم أهلكهم إلا وقد استحقوا الا هلاك لإصرارهم على الكفر بعد الاعذار إليهم.
وفي هذا بيان لعدله وتقدسه عن الظلم. أخبر تعالى أنه لا يهلكهم إلا إذا استحقوا الا هلاك بظلمهم، ولا يهلكهم مع كونهم ظالمين إلا بعد تأكيد الحجة والإلزام ببعثة الرسل، ولا يجعل علمه بأحوالهم حجة عليهم. ونزه ذاته أن يهلكهم وهم غير ظالمين، كما قال عز من قائل: {وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ} فنص في قوله: {بِظُلْمٍ} على أنه لو أهلكهم وهم مصلحون لكان ذلك ظلما لهم منه، وإن حاله في غناه وحكمته منافية للظلم، دل على ذلك بحرف النفي مع لامه كما قال تعالى: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ}. قوله تعالى: {وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ} يا أهل مكة {فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها} أي تتمتعون بها مدة حياتكم، أو مدة في حياتكم، فإما أن تزولوا عنها أو تزول عنكم. {وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى} أي أفضل وأدوم، يريد الدار الآخرة وهي الجنة. {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أن الباقي أفضل من الفاني. قرأ أبو عمرو {يعقلون} بالياء. الباقون بالتاء على الخطاب وهو الاختيار لقوله تعالى: {وَما أُوتِيتُمْ}. قوله تعالى: {أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ} يعني الجنة وما فيها من الثواب {كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا} فأعطى منها بعض ما أراد. {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} أي في النار. ونظيره قوله: {وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}
قال ابن عباس: نزلت في حمزة بن عبد المطلب، وفي أبي جهل بن هشام.
وقال مجاهد: نزلت في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي جهل.
وقال محمد بن كعب. نزلت في حمزة وعلي، وفي أبي جهل وعمارة بن الوليد.
وقيل: في عمار والوليد بن المغيرة، قاله السدي. قال القشيري: والصحيح أنها نزلت في المؤمن والكافر على التعميم. الثعلبي: وبالجملة فإنها نزلت في كل كافر متع في الدنيا بالعافية والغنى وله في الآخرة النار، وفي كل مؤمن صبر على بلاء الدنيا ثقة بوعد الله وله في الآخرة الجنة.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10